إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 30 يونيو 2016

ما هو ال"دياليكتيك"؟

قبل ما نبدا. في العادة المصطلح دا بيقولوهو ناس ما بعرفو عنو شي. لدرجة انو بقا مصطلح مضحك. كلنا بنعرفه و ما بنعرف عنو اي شي في نفس الوقت. الحاجة دي بتعبر عن مشكلتين:
1- انو المصطلح بقا بستمد قوته من الانبهار بالحضارة الغربية: زي كلمة ما بعد الحداثة مثلا. ما لازم تكون عارف معناها لمن تقولها و برضو حتاخد وضع المثقف البنطق بالحقيقة. او اسم ميشيل فوكو مثلا. لكن لو قلت عبد الله علي ابراهيم فانت لسة زول عادي. ممكن كلامك يكون غلط.
2- انو استعمال المصطلح بقا بدل ما يؤدي لنشر معرفة بقا بالعكس بيؤدي لاعطاء شرعية للجهل. اي شخص متوسط الذكاء حيلاحظ انو ماف فرق بينو و بين المثقف البقول في المصطلحات دي. و حيجيهو شعور عميق بانو الثقافة دي ضياع زمن. او هي مجرد "نمط حياة" مختلف.



عشان كدا وحدة من اهم الاشياء المفروض نعملها هي اننا نهزم الانبهار بالغرب عن طريق الثقافة الغربية نفسها. عن طريق اننا نفهمها فعلا. و اننا نهزم الجهل بانو نخليهو ادنى من العلم. مفروض نرجع الثقافة لوضعها الطبيعي ك"سلاح" بدي قوة.
------------------------

طيب.. الديالكتيك هو منهج لادراك الاشياء.. هو عدسة بنشوف من خلالها الواقع. بحيث بختلف جدا الواقع لمن نشوفه مباشرة و للا من خلال المنهج دا. 
نقطة البداية في المنهج دا انو اي "واحد" هو في الحقيقة "اتنين". شيئين ما منسجمين. و العكس (الاشياء البتبدو متعارضة هي بالنسبة للديالكتيك شي واحد. الشي عشان يقيف علي كرعينه بحتاج للضد).

الحاجة دي حتبقى واضحة لمن نشرح واحد من اهم امثلة الديالكتيك: الجدلية بين "الشكل" form و "المضمون" content.

اي "واحد" هو عبارة عن شكل و مضمون. مثلا اي لوحة هي عبارة عن الاطار البحدد وين اللوحة بتبدا و مضمون اللوحة نفسها. اي رواية هي عبارة عن الشكل السردي (تقنية اللغة.. الراوي.. تقنية الوصف للامكنة و الشخصيات) و مضمون الرواية. و بين الشكل و المضمون بتظهر جمالية التعارض و التوافق في العمل الفني. 
مثلا لوحة مالفيتش المشهورة "مربع اسود بخلفية بيضاء" بقت مشهورة لانو مالفيتش جاب الجدل بين الشكل/الاطار و المضمون الى اقصاهو: مالفيتش رسم الشكل ذات نفسه كمضمون. و في لوحات كتيرة بتكون جماليتها في التلاعب في الاطار "وين بتبدا اللوحة و متين بتنتهي" في داخل مضمونها. زي لوحة اليد البترسم نفسها الى ما لا نهاية.

طيب. للتوضيح زيادة انا حتكلم عن تلاتة امثلة للديالكتيك في اشياء شائعة عندنا جدا: الديمقراطية.. حرية التفكير.. و موسم الهجرة الى الشمال.

(1) الديمقراطية:

كمجتمع بمر بأزمة فكرية ... منتشر عندنا جدا التبرير التالي للديكتاتورية: الديمقراطية العندنا بتكون ديمقراطية ما حقيقية .. هي مجرد "شكل" ديمقراطي بدون اي "مضمون". الطائفيين بغشوا الناس.. الرأسماليين بشترو الانتخابات الخ. 
إستالين في طريقه لإفشال ثورة اكتوبر في روسيا تماما استعمل المنطق دا: الديمقراطية الليبرالية الغربية هي مجرد ديكتاتورية في "شكل" ديمقراطية.. اذن.. احسن نتخلص منها تماما.

الحاجة المفقودة في المنطق دا هو فهم "ديالكتيك الديمقراطية": المضمون الديمقراطي بجي تحديدا عن طريق تعارض الشكل الديمقراطي مع المضمون الما ديمقراطي. لمن نفهم الطريقة البشتغل بيها الديالكتيك ما بنقلل من قيمة الشكل ابدا.
مثلا.. الديمقراطية الشكلية في امريكا في العشرينات كانت بتحرم المرأة من حق التصويت. لكن المرأة استعملت المساحة الفتحها الشكل دا نفسه عشان تقلع حقها في التصويت لاحقا. (استغلت التعارض بين الشكل و المضمون). لو كانت امريكا ديكتاتورية مكتملة الاركان بدون اي "شكليات" ما كانت المرأة اخدت حقها (زي في السعودية مثلا..). 
عشان كدا النضال من اجل الشكليات هو لب النضال. انو يكون في قانون ما مطبق دا افضل بكتير من انو يكون ماف قانون.

(2) حرية التفكير: 
في حاجة صعب علي المناضلين يفهموها. و هي انو اكبر معيق لنشر الحرية هو محاولة عيشها مباشرة. ما بتقدر تجيب الحرية دفعة وحدة. في البداية لازم الناس يحرروا فكرهم فقط.. بدون اي تبعات عملية للتحرر دا. و بعد داك بتبدى عجلة التناقض بين حريتهم الفكرية و واقعهم بالدوران. 
عشان كدا انا ما بهمني انت بتعمل شنو في حياتك العملية. بهمني انك تفتح عقلك للحقيقة بس. ابحث عن الحقيقة و ما تعيشها. ما مهم انك توزع منشورات عن حقوق العمال. مهم بس انك تقتنع بانو العمال عندهم حقوق. 
بعد داك حتى تصرفاتك العادية حتبقى تصرفات ما عادية. 
المرأة المقتنعة بحقوقها بصورة جذرية و بتناضل من داخل القيود بتاعة المجتمع اخطر علي المجتمع بكتير من المرأة البتحرر كليا و ما بتبقى جزو من المجتمع بعد داك. الشي الاخر هو انو الحرية الكاملة دي في الغالب بتكون مجرد وقوع تحت قيد جديد. لانو الانسان طالما ربط قناعتو بواقعه فهو حيشكل قناعته بحيث تتلائم مع الواقع. مفروض نفصل بين الحاجتين ديل تماما عشان نقدر نصل بقناعتنا لمداها.

(3) موسم الهجرة إلى الشمال: 
الديالكتيك بين الشكل و المضمون بدي الكاتب مساحة انو يقول حاجة في مضمون الرواية لكنه يعارضها في الشكل المحيط بالمضمون دا. 
وحدة من اجمل التعليقات علي رائعة الطيب سمعتو من استاذ فلكلور في جامعة الخرطوم في قناة الشروق قبل فترة (نسيت اسمه للاسف). الزول دا لاحظ حاجة.. في موسم الهجرة الطيب صالح استعمل طريقة معينة في وصف الاماكن. لمن كان بوصف القرية بتاعته كان بوصفها بتفاصيل شديدة كحاجة حية و معقدة.. الشجر الحيوانات و الناس. الصحراء الخ. كل شي بيبدو عميق. 
بينما لمن كان بتكلم عن لندن كان بوصف مكان مسطح جدا. كانو زول ما حصل شاف المكان. ماف مثلا وصف لشارع بصورة دقيقة. لندن في موسم الهجرة "مجردة" جدا.

هنا في تعارض بين مضمون موسم الهجرة اللي هو انو مصطفى سعيد عاش حياته العندها معنى كلها في لندن و عاس حياة بسيطة و سطحية في القرية. الشكل بقول العكس.
و كدا بدون ما يقول حاجة بقدر الفنان انو يقول اشياء كتيرة.. و انو يضيف جمالية و تعقيد للعمل بتاعه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق