في العادة الناس بستعيدوا محمود محمد طه... عن طريق افكاره الدينية. الرسالة التانية.. الغاء الحدود الخ. او بافكاره السياسية زي افكاره حول الديمقراطية او نقده للماركسية. عموما بيستعاد محمود محمد طه المفكر و ببدوا الناس يحاولوا يبنو ال legacy بتاعتو علي انو كلامه طلع صاح. انا بزعم انو محمود المفكر هو اسوأ جانب من جوانب الاستاذ (ببساطة لأنو افكاره ما صحيحة انا شايف). و إنو الرمزية الحقيقية للاستاذ هي كونه اول شخصية سودانية مارست السياسة إستنادا علي الحقيقة فقط.
زمان اول ما بديت اهتم بالشأن العام كان الترند الوقت داك هو خطاب المعارضة الفاشل جدا ( مثلا يقوموا يكذبوا يقولو انو الكيزان حيزوروا انتخابات الجامعة و يقاطعوا الانتخابات عشان هم عارفين انو الكيزان حيفوزوا.. و بكدا يبقى ما عندنا اتحاد ليوم الليلة) دا قبل ما الموجات الشبه ثورية في 2011 و في سبتمبر تخلي خطابهم دا يظهر انو فاشل جدا و قام خفت شوية. المهم من الوقت داك و انا بحاول افكر في سياسة من نوع تاني.. بقوم اول ناس بقولوا ليك انك انت زول "بريء" بمعنى ساذج هم ناس المعارضة نفسهم. قبل الناس الاصلا قنعوا من اي شي و بقا شعارهم الخالد هو "اه... البلد دي ما حتتصلح نهائي!.. و مهاهة هزة يد معينة كدا" يسخروا من براءتك و تضييعك لزمنك.
هنا الحصل هو انو "الفساد" انتصر لدرجة انو بقا في قناعة انو نحن ما ممكن نحاربه الا بالفساد نفسه. الحاجة دي بسموها الخواجات Cynical Reason .. منطق التهكم. التهكم البظهر في عبارة زي "اصلا ما تشوف الشعارات دي.. في النهاية كل زول ببحث عن مصالحه.. فلان داك بكتب عشان داير يظهر بس.. الخ". و طبعا قمة المنطق دا بتظهر لمن فعلا الزول يمارسه بصورة عملية. لمن فعلا ادخل في السياسة ضد الحكومة لاني داير اظهر. او لأني ببحث عن مجد شخصي. او لأني عايز اكون شخص محترم بين الناس.. الخ. هنا انا بتهكم علي فرضية انو في ناس بدخلوا السياسة عشان ينزلوا "حقيقة" ما علي ارض الواقع. علي انو في سياسة ثورية بيتجاوز فيها الانسان نفسه عن طريق تبنيهو للحقيقة. في سياسة بتحرر في داخها الانسان من ذاته.
طبعا قمة ال cynical reason هو في الليبرالية الاقتصادية: افضل طريقة لادارة المجتمع هو عن طريق تشجيع المنافسة بين الناس.. لانو الانسان "بطبعه" بتحركو مصالحه فقط. هنا الشر في الانسان بيوضع علي انو الاصل اللازم حتى الخير يتبني عليهو. و في داخل المنطق دا حيكون مضحك جدا.. بصورة حرفية.. انك تتكلم عن مجتمع بتقدم عن طريق ال Solidarity.. التضامن.
لكن بالنسبة لناس زي محمود محمد طه فالحقيقة.. و ليس المصلحة.. هي اعلى حاجة عند الانسان. عشان كدا انت لمن تدخل في السياسة اقوى سلاح ممكن تستعمله هو انك تتكلم (او بصورة ادق.. تمارس) الحقيقة. و رغم انو قدام جبل ال cynicism الليبرالي و الغير ليبرالي بيبدوا انو الحاجة دي مستحيلة الا انك لازم تبحث عن المستحيل.. تعيد تعريف المستحيل.
في مشهد في التاريخ السوداني بقول انو الاستاذ قبل ما يبدا حراكه في شكله النهائي اعتكف فترة في وحدة كاملة و لمن خرج بعدها للناس خرج بخطاب بدعي انو حيغير العالم. بتذكر اني قريت ليهو مقابلة.. لمن سألوهو عن حكاية انو كلامو غريب علي الناس قال للصحفي انو هو جا بحاجة جديدة ما سمعها الناس من اباءهم و امهاتهم.. و هي حاجة ضد كل معتقداتهم و ثوابتهم. لكن (و التتمة دي من عندي) هم رغما عن كدا حيؤمنوا بيها! ... ماف حاجة من وجهة نظر محمود طه ممكن تقيف في طريق الحقيقة.
بتخيل مرات انو صورة خروج محمود من الاعتكاف كان مفروض تترسم و تكون عمل فني خالد. كانو الحقيقة ذات نفسها خرجت من الاعتكاف و دخلت للسياسة. و بعد داك في يوم الايام لمن نعمل ثورة نرفع نسخة كبيرة جدا من الصورة دي. و بكدا نكون .. زي ما في كل ثورة شعبية حقيقية.. هزمنا منطق التهكم المتشائم.
سياسات الحقيقة ما جزو من "اللعبة القذرة" بتاعتهم. سياسات الحقيقة هي مكان بيولد فيهو الانسان. ال Subject بلغة الان باديو. و هي مكان بيولد فيهو الابداع (اعادة تشكيل السياسة.. اعادة اختراع الدولة.. اعادة ترتيب الاقتصاد.. ادخال الفن في السياسة.. الخ). و هي سياسات مستحيلة. عشان كدا هي فن الممكن (و غير الممكن). بقي بس اننا نأكد علي شعار سلافوي جيجاك بصورة حرفية
Be realistic.. Demand the impossible!
التناقض الجميل هو انو سياسات الحقيقة هي السياسات الوحيدة الواقعية.. المنطقية.. العملية. الكلام الفارغ التاني دا كلو مجرد خيالات ساي!.
الله يرحم الاستاذ.
فكرة ل politics of truth اضافة حقيقة لتناول السياسة, السؤال الجا في راسي : ما هي الحقيقة و من منظور منو؟
ردحذف